منتدى الاحلام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى منوع


    ما المقصود بالرياضيات

    avatar
    ngadi pil
    مشرف على منتدى البحوث الدراسية


    عدد المساهمات : 16
    تاريخ التسجيل : 14/12/2009
    العمر : 33
    الموقع : http://sinper600.unblog.fr/

    ما المقصود بالرياضيات Empty ما المقصود بالرياضيات

    مُساهمة  ngadi pil الأربعاء ديسمبر 16, 2009 3:11 pm

    الرياضيات
    مقدمة : ما المقصود بالرياضيات ؟
    إن الرياضيات تعد أم العلوم ، ولمعرفة موضوع علم الرياضيات ومنهجه يجب التطرق إلى تاريخه ، وهذا سيساعدنا على اكتساب رؤية واضحة على منهج ومبادئ ونتائج الرياضيات وبالتالي اكتشاف الآليات التي تحكم سير وتطور هذا العلم ، ومعرفة العوائق التي اعترضت تطوره .
    فهل ظلت الرياضيات ومنهجها هي نفسها لم يتغير طوال تاريخها؟

    المرحلة الإجرائية أو العملية
    قبل اليونان كانت الرياضيات شديدة الارتباط بالواقع العملي والحسي وبالممارسة اليومية للإنسان وبحاجاته . وتعتبر هذه المرحلة جنينيه للرياضيات .
    الرياضيات الكلاسيكية مع اليونان
    لقد تحقق وعي مع اليونان بالعمليات الحسابية والهندسية في شكلها المجرد واهتموا بها كثيرا . وما يميز هذه المرحلة هو امتزاج هذا الاهتمام ببعض التصورات الميتافيزيقية والخرافية الأسطورية كظهور رموز غريبة مثل : مع الفيثاغورثيين ، مما أدَّى إلى ظهور نتائج غير منتظرة وغير مألوفة . وكون الرياضيات ارتبطت في هذه الحقبة بالمحسوس والعملي بالإضافة إلى الامتزاج المذكور سالفاً ، كل هذا كان بمثابة عائق أمام تقدم الرياضيات . وكان لابد لتقدم هذا العلم من تجاوز الارتباط بالمحسوس وتجاوز التصورات التي تعطي للكائنات الرياضية كالأعداد والأشكال الهندسية مثلاً وجوداً مستقلاً عن ذهن الإنسان ( تصور أفلاطون ) .
    ويعتبر أقليدس العالم اليوناني الذي استطاع أن يجمع شتات ما تم إنجازه في مجال الرياضيات عند اليونان وأسس عليه نسقاً هندسياً سمي بالهندسة الإقليدية . ويتأسس البرهان الرياضي عند أقليدس على :-

    أ) التعريفات : هي التي يتم بواسطتها وضع و تحديد المفاهيم والتصورات الأولية التي تشكل المادة الخام لدراسة الرياضيات .
    ب) المسلَّمات : وهي القضايا التي يفترضها العالم ويضعها كأساس ينطلق منه في عملية البرهنة دون أن يقيم عليها برهاناً
    جـ) البديهيات : وهي القضايا الواضحة التي تستمد صدقها من ذاتها ولا تحتاج إلى برهنة .
    3) الهندسة الإقليدية و ظهور الهندسات اللاإقليدية
    كان ينظر إلى هندسة أقليدس وإلى نتائجها على أنها صادقة صدقا مطلقا ,
    وأنها الهندسة الوحيدة الممكنة. إلا أن كون المسلمة الخامسة لأقليدس والتي تقول :"من نقطة خارج خط مستقيم لا يمر إلا خط مستقيم وحيد يوازيه" كون هذه المسلمة لم تتم البرهنة عليها منذ البداية جعلها توضع موضع شك من طرف العلماء .
    وعندما حاول كل من ريمان ( الألماني ) ولوبتشفسكي ( الروسي ) البرهنة على هذه المسلمة ، خلص كل منهما إلى هندسة أخرى تختلف عن هندسة الآخر وعن هندسة أقليدس . وسميت هذه الهندسات بالهندسات اللاإقليدية .
    وظهور هذه الهندسات كان له دور أساسي في توجيه أول ضربة لليقين المطلق لمبادئ ونتائج البرهان الاستنتاجي في الرياضيات
    4) أزمة الأسس في الرياضيات
    إن أزمة اليقين الرياضي التي نتجت عن ظهور هندسيات لا إقليدية مسَّت أيضا المنهج الاستنتاجي الذي اعتمدته الرياضيات حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر وهذه الأزمة مسَّت مجالات أخرى في الرياضيات كالجبر ، ففي إطار نظرية المجموعات ظهر أن البديهية الكل اكبر من الجزء ليست صادقة صدقا مطلقا كما كان يعتقد،إذ ظهر أن الجزء يمكن أن يكون مساوياً للكل أو أن يكون اكبر من الكل . كما ظهرت كذلك بعض الأعداد الخيالية ( ت ) والتي أدت إليها بعض المعادلات وهذا كله أدى إلى ظهور منهج جديد في الرياضيات هو المنهج الفرضـــي الاستنتاجي .
    5) المنهج الفرضي الاستنتاجي
    في هذا المنهج لم يعد ينظر إلى المبادئ والأسس التي يقوم عليها البرهان الرياضي على أنها صادقة أو غير صادقة ، بل أصبحت تعتبر فقط مجرد فرضيات تخضع لعدة شروط منها الوضوح وعدم إثارة الاختلاف وان تكون مستقلة عن بعضها البعض ، والتي يهم في النسق الاكسيومي الناتج عن هذه الفرضيات وهو طابع النظام والاتساق الداخلي المنطقي وخلوه من التناقض . ويكون صدق النتائج في المنهج الفرضي الاستنباطي صدقاً صورياً ، حيث أن الوصول إليها تم دون التناقض مع الأولويات التي تم الانطلاق منها .
    لماذا البدء بالرياضيات ولماذا اختيار موضوعي التكنولوجيا والنظريات المعرفية بالذات؟ بدأنا بالرياضيات، أولاً، لما لها من وزن وأهمية في المناهج المدرسية في كل البلاد تقريباً، وثانياً، لأنها كانت وما زالت المادة المنهجية السباقة في التأثر بما يستجد في عالم العلم و التكنولوجيا ونظريات التعليم. أما اختيارنا لموضوعي التكنولوجيا والنظريات المعرفية فعائد لكون هذين العاملين يشكلان تيارين كبيرين - على الأقل في البلاد الصناعية - من تيارات ثلاثة تؤسس حالياً لمناهج الرياضيات في هذه البلدان.
    والمبررات التي يعطيها المنظرون لأثر التكنولوجيا والنظريات المعرفية الحديثة على بناء مناهج الرياضيات كثيرة ومتعددة. فليست المرة الأولى التي يستعمل التربويون التكنولوجيا لتبرير تطوير مناهج الرياضيات. فمنذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر كانت التكنولوجيا عاملاً يستعمله التربويون لتبرير تغيير مناهج الرياضيات. ولعل استعمال التكنولوجيا الإلكترونية في تبرير ما عرف بالرياضيات الحديثة في الخمسينات والستينات من هذا القرن يشكل مثالاً بارزاً على ذلك. ولكن المنظرين المعاصرين يرون أن تكنولوجيا الكمبيوتر تختلف عن سابقاتها وبالتالي فإن تأثيرها على مناهج الرياضيات سيكون عميقاً ودائماً. ويسوقون لذلك أسباباً تبدو مقنعة على الأقل في البلاد الصناعية. والسبب الأهم هو أن التكنولوجيا التي سبقت تكنولوجيا الكمبيوتر لم تؤثر على التعليم بشكل مباشر وكان تأثيرها ينحصر في الواقع الاقتصادي - الاجتماعي مما كان يستدعي بعض التغييرات التجميلية في أهداف تعليم الرياضيات بشكل عام. أما الكمبيوتر، فإلى جانب تأثيره العميق على الإنتاج والعمل وعلى البيئة الاجتماعية الثقافية، يؤثر على البيئة البيتية والمدرسية وبالتالي على تعليم الرياضيات أهدافاً ومحتوى وطرق تعليم وتقويم. ويعزو المنظرون ذلك لكون الكمبيوتر يتعامل مع مادة التعليم بالذات، أي المعلومات. فهو بإنتاجه ومعالجته وحفظه ونقله للمعلومات يدخل في صميم التعليم ويتداخل معه. ولكونه منتشر في الواقع الاقتصادي الاجتماعي فإن يجسّر الفجوة القائمة بين المدرسة وخارجها. والقرابة بين الكمبيوتر والرياضيات تجعل من الأخيرة المادة المنهجية التي سيصيبها أثر الكمبيوتر بشكل أكبر وأفضل. ومن هذا المنطلق رأت الهيئة اللبنانية للدراسات التربوية إثارة القضايا النظرية التي قد يحدثها إدخال الكمبيوتر إلى مناهج الرياضيات بصورة خاصة.
    أما نظريات التعلم، والنظريات المعرفية بشكل خاص، فليست غريبة عن مناهج الرياضيات. فمنذ بداية القرن العشرين، تتعاقب النظريات المعرفية والسلوكية كقوى مؤثرة في مناهج الرياضيات. ويبدو أن النظريات المعرفية، ومنها البنائية Constructivismكان لها الغلبة في الثمانينات. وكما هي الحال في التكنولوجيا ، فقد استند منظّرو إعادة بناء مناهج الرياضيات على النظريات المعرفية، وإن كان دور هذه الأخيرة أقل وضوحاً وحسماً من التكنولوجيا. ولربما ستشهد السنون القريبة القادمة إعادة نظر بالنظريات المعرفية في ضوء نتائج أبحاث الدماغ الجارية حالياً والتي توفر تباعاً أساساً حسياً للتعلم يمكن مراقبته وقياسه. ويبدو أن هناك نوعاً من التناغم بين التكنولوجيا والنظريات المعرفية لكون الأولى توفر للمتعلم قدراً متزايداً من التحكم الذاتي بينما تدعم النظريات المعرفية من جهة أخرى البناء الشخصاني والفعال للمعرفة فيدعم أحدهما الآخر ليشكلا قوة دفع كبيرة في اتجاه بناء مناهج الرياضيات.
    1. إن طرح السؤال عن مدى انعكاس تياري التكنولوجيا المعلوماتية والنظريات المعرفية على المناهج طرح تبسيطي في أحسن الأحوال. ذلك لأن هذا الطرح مبني على مقولة أن مناهج الرياضيات عالمية Universal لا تتأثر بالثقافة والمجتمع. وهذه المقولة غير صحيحة، إذ أن الدراسات العالمية المقارنة International comparative studies دلائل ثابتة لدحض هذه المقولة ولدعم الفرضية القائلة أن مناهج الرياضيات، كالمناهج الأخرى، تتأثر بالثقافة والمجتمع بقدر يوازي وربما يفوق تأثر المناهج الأخرى بهذه العوامل.
    الرياضيات و الغزو الثقافي

    الرياضيات كانت لوحدها، من بين جميع المواد التي فرضت على تلاميذ الدول المستعمرة (بفتح الميم)، آخذة وضع المادة الدراسية المحايدة ثقافيا غير المشحونة بشحنة الثقافة التي أنتجتها. و على حين ثارت جدالات كثيرة حول مواضيع مثل: ما هي اللغة الأجنبية التي يجب أن ندرجها في المنهاج التعليمي؟ أي تاريخ نعلمه و أي دين؟ هل تعتبر الثقافة الفرنسية مثلا موضوعا دراسيا مناسبا لطلاب يعيشون على بعد آلاف الكيلومترات من فرنسا؟ فإننا لم نشهد جدالا مماثلا حول تعليم الرياضيات فقد عدت هذه المادة التعليمية مادة كونية الطابع محايدة بين ثقافات العالم خلافا لمواد أخرى متورطة في الصراعات الثقافية التي تميز الجو المضطرب للعلاقة بين الامبريالية و التعليم.

    هذا المقال يتحدى هذه الأسطورة و يعطي ما أصبح الكثير من الباحثين يدعونه "الرياضيات الغربية" حقها بلا زيادة و لا نقصان: إنها سلاح قوي لفرض الثقافة الغربية على الشعوب الأخرى.

    الاعتقاد السائد، و حتى خمسة عشر عاما من كتابة هذا المقال (نشر المقال في مطلع عام 1990م) كان أن الرياضيات لا علاقة لها بالثقافة فقد كانوا يحاججون أن حقائق من نوع حقيقة أن جداء اثنين في اثنين هو أربعة و جداء عدد سالب في عدد سالب هو عدد موجب و أن مجموع زوايا المثلث يساوي مجموع زاويتين قائمتين هي حقائق صحيحة في أي مكان من أماكن الكرة الأرضية.

    فهل ينتج من هذا أن الرياضيات متحررة من تأثير أي ثقافة محددة؟
    الحقائق الرياضية التي ذكرناها هي بلا شك كونية الطابع و تصلح لكل مكان و لكن السبب في ذلك هو تجريديتها المقصودة و طبيعتها التعميمية. لا يهم أين تكون. حين ترسم مثلثا مستويا و تقيس زواياه بالمنقلة و تجمعها فسيكون المجموع مائة و ثمانين درجة تقريبا (و التقريبية هنا ناتجة عن عدم الكمال في الرسم و القياس و لو كنت قادرا على رسم المثلث المثالي فسيكون مجموع الزوايا مائة و ثمانين درجة بالضبط) هذه الحقائق مستقلة عن أي سياق و كونية الطابع لأنها تجريدات للواقع الحقيقي.

    و لكن من أين جاءت "الدرجات"؟ و لماذا كان المجموع 180درجة و لم يكن 200 أو 100؟
    السبب الجوهري هو التالي: "إن بعض الناس قرروا أن يكون الأمر هكذا".

    إن الأفكار الرياضية هي، مثل غيرها من الأفكار، إنشاءات بشرية و لها تاريخ ثقافي. و في أدبيات الأنثربولوجيا يمكن لكل من يهمه الموضوع أن يرى أن الرياضيات التي تتعلمها الغالبية الآن ليست هي الرياضيات الوحيدة الموجودة.نحن لا ننتبه غالبا إلى حقيقة وجود كثير من أنظمة العد في العالم: ففي بابوا غينيا الجديدة Papua New Guineaسجّل لين Leanنحوا من ستمائة نظام عد (و في تلك المنطقة ثمة سبعمائة و خمسون لغة) هذه الأنظمة تحتوي أرقاما بنظام مراتب مختلف و ليست كلها مبنية على أساس القاعدة العشرية.

    مع العد بالأصابع ثمة من يستعمل الجسم للعد حيث يشير العادّ إلى جزء من الجسم و يستعمل اسم ذلك الجزء كعدد و قد تستعمل العقد المعمولة في خيط و قد تحفر الأعداد في ألواح خشبية و هناك من يستعمل الخرز و ثمة أنظمة مكتوبة أخرى من العلامات و غنى هذه الأشكال يدهش أي شخص يتخيل أن نظامه للعد و تسجيل الأعداد هو النظام الوحيد.

    و الفروق المثيرة للاهتمام لا نجدها في الأرقام فقط فإن مفهوم الفراغ الذي يشكل قاعدة للهندسة الإقليدية هو أحد المفاهيم الممكنة لا أكثر. مفاهيم الهندسة الإقليدية تميزها النزعة الذرية و هي تدرس مواضيع مثل النقاط و الخطوط و السطوح و المجسمات الفراغية. و ثمة بالمقابل مفاهيم أخرى مثل مفاهيم شعب النافاجو Navajosو فيها لا يكون الفراغ تقسيما فرعيا و لا هو من طبيعة ملموسة و كل الأشياء متحركة. و من المحتمل أننا صرنا على إدراك أفضل لنظم من التصنيفات مختلفة عن الأنظمة الهرمية الغربية. إن لانسي Lancyتعرّف، و في بابوا غينيا الجديدة مرة أخرى على ما أسماه "تصنيف الحافة" edge-classification التي هي خطية أكثر منها هرمية. إن لغات المجموعة الهندوأوروبية و منطقها طوّرت تطبّقات من المصطلحات المجرّدة ضمن مصفوفة التصنيف الهرمي و لكن هذا لم يحصل في كل المجموعات اللغوية مما أنتج أنواعا مختلفة من المنطق و طرقا أخرى في ربط الظواهر.

    هذه الحقائق و أمثالها تتحدى المعتقدات السائدة عن الرياضيات و الافتراضات التي تهيمن منذ أمد بعيد فالتعرّف على ترميز بديل لأنظمة عد و هندسات و علوم منطق بديلة يجبرنا على طرح السؤال: هل توجد أنظمة رياضية بديلة؟

    و قد يحاجج البعض بأن الحقائق التي ذكرناها و أمثالها تدل على وجود ما يدعونه "رياضيات إثنيّة" و هي رياضيات محلية تشكل منظومات خاصة من المفاهيم لا يمكنها الطموح إلى مستوى العمومية و التنظيم الدقيق الذي تمتلكه رياضيات "الاتجاه الرئيسي".

    نحن نستطيع الآن،بوضوح، أن نقرر أطروحة تقول إن كل الثقافات أنتجت أفكارا رياضية كما أن كل الثقافات أنتجت لغات و دين و تقاليد و أنظمة قرابة.

    إن الرياضيات بدأت تفهم الآن على أنها ظاهرة محايثة للثقافات ، من هنا يتوجب علينا أن نكون في توصيفاتنا أكثر حذرا.

    لا يمكن لنا الآن أن نتكلم عن "الرياضيات" دون أن نكون أكثر تحديدا، أي ما لم نشر إلى الأرومة العامة مثل اللغة و الدين،..إلخ.إن الشكل الخاص من الرياضيات الذي أصبح عالميا أو الذي هو مادة دراسية عالمية الطابع في نظر معظمنا هو ناتج التاريخ الثقافي للقرون الثلاثة الأخيرة.

    هذا الشكل كان يتطور كجزء من الثقافة الأوروبية الغربية (إن جازت هذه التسمية) لهذا كان هذا المقال يتحدث عن "رياضيات غربية"، على أن هذا الاصطلاح هو أيضا غير دقيق لأن كثيرا من الثقافات ساهمت في هذا الفرع من المعرفة و الكثير من الرياضيين لن يعجبهم أن يعدّوا منتمين إلى الثقافة الغربية مطوّرين أحد أجزائها. و تاريخ الرياضيات الغربية نفسه تعاد كتابته في الوقت الحاضر مع ظهور الكثير من الوثائق المتعلقة بالموضوع، على أنني أرى من الأفضل تسمية هذه الرياضيات بالرياضيات الغربية لأنها هي التي استخدمتها الثقافة الغربية في إنجاز أهداف الامبريالية.

    و يبدو أنه كان ثمة ثلاثة وسطاء أساسيّين في عملية الغزو الثقافي للبلدان المستعمرة باستعمال الرياضيات الغربية: التجارة و الإدارة و التعليم .

    عبر التجارة فرضت الأفكار الغربية عن الطول و الحجم و الوزن و النقود في ساحة تتعامل بالقياسات و الوحدات و الأرقام و العملة المتداولة و بعض المفاهيم الهندسية.

    و تبقى الحقيقة أن الأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع لم تذكر إلا قليلا من المعرفة بأنظمة القياس عند الشعوب الأصلية أو حتى عن وحدات العملة (هذا إن كان هذا القليل موجودا أصلا).

    إن الباحثين لم يبدؤوا في توثيق المعلومات الخاصة بهذه الساحة إلا مؤخرا و إنه لمن الواضح أن تلك الأنظمة كانت (و لم تزل) موجودة فعلا و لما كانت الوحدات المستعملة في التجارة غربية فإن الوحدات المحلية التي نجت إما هي تغربن أكثر فأكثر و إما هي في طريقها إلى الاندثار.

    ببساطة لم تكن، في بعض الحالات، ثمة وحدات محلية مناسبة لقياس الخصائص المطلوبة عند التجار الغربيين و كما قال أحد السكان المحليين في بابوا غينيا الجديدة للباحث جون Jone (و نشرها في دراسة حديثة): "يمكن أن يقال إن حديقتين معينتين متساويتان في المساحة و إن كان هذا قابلا دوما للأخذ و الرد و لكن ما من وسيلة للمقارنة بين حجم الصخور و حجم الماء" .

    الطريقة الثانية التي يمكن، وفقا لها، أن تكون الرياضيات الغربية قد هيمنت على الثقافات الأخرى هي ميكانيزمات الإدارة و الحكومة و بصورة خاصة الأرقام و الحسابات الضرورية لحفظ آثار عدد كبير من الناس و الأغراض و في أغلب الحالات قاد هذا إلى حتمية استعمال العمليات الرقمية الغربية.

    ووفقا لنتائج أحد الأبحاث فإن الغالبية العظمى من أنظمة العد في العالم كانت ذات طبيعة محدودة و على أسس رقمية متنوعة و بالتأكيد ثمة ما يدل على أنه وجدت بعض الأنظمة القابلة للتعامل مع أعداد ضخمة بطرق معقدة إن كانت حاجات المجتمع تقتضي هذا (مثلا عند شعبي الإغبو Igbo و الإنكا Inca) و لكن برغم وجود هذه الأنظمة و أخرى مثلها فما من دليل يذكر على أنها كانت معروفة و لو مجرد معرفة عند الإداريين الاستعماريين ناهيك عن أن يكونوا استعملوها أو شجعوها. و لعل الاستثناء الوحيد كان استعمال العدادات اليدوية التي كانت في الصين و استعمال العدادات الآلية في بعض المستعمرات التي اقتنع فيها إداريو الاستعمار أن الأنظمة المحلية متقنة بصورة كافية لاستعمالها في الأغراض الإدارية (.

    و الناحية الأخرى التي فرضت في رأينا عبر الإدارة كانت لغة التصنيف الهرمي، تصنيف الناس و وظائفهم و المثال الذي سنذكره قد لا يبدو مهما على أن من ألف الهاجس الغربي بالتسمية و التصنيف يصعب عليه أن يتخيل وجود طرق أخرى في استعمال اللغة و مفهمتها. إن بحث لانسي و فيلب Philp جعلنا مدركين لهذا. و كما يذكر لانسي مثلا "الأهل في بريطانيا يعلمون أبناءهم أن أهم وظيفة للغة هي المرجعية Reference إنهم يعدون أولادهم لمجتمع يعطي الأفضلية لمعرفة الأسماء و أصناف الأشياء أما قوم الكالولي Kaloli من المرتفعات الجنوبية لبابوا غينيا الجديدة فهم ينفقون وقتا لتعليم أولادهم اللغة يزيد عما ينفق البريطانيون لهذا و لكنهم يهدفون إلى شيء مختلف جدا فالولد عندهم يتعلم أن أهم وظائف اللغة هي الوظيفة التعبيرية و بصفة خاصة تظهر المهارة اللغوية حين تستعمل اللغة في ضبط سلوك الآخرين و التأثير فيه".

    و أي استعمال مفروض بالقوة لبنى لغوية أخرى سيؤدي غالبا إلى صعوبات و بلبلة (13) و أي فعالية استعمارية أوروبية غربية كانت تتعلق بنظام و بنية و دور الطاقم الوظيفي لا بد أنها بصورة حتمية و بصورة غير واعية أيضا فرضت نمطا أوروبيا غربيا من التصنيف اللغوي و المنطقي.
    الوسيط الثالث المهم للغزو الثقافي كان التعليم، و التعليم لعب دورا حاسما في توطيد المفاهيم الرياضية الغربية و بالتالي الثقافة الغربية. و في معظم المجتمعات المستعمرة (بفتح الميم)مارس التعليم التأثير عبر مستويين عاكسا ما هو موجود في البلد الأوروبي المعني.

    المستوى الأول و هو الذي يخص التعليم الابتدائي تطور بصعوبة في العهد الاستعماري المبكر. في الهند مثلا كان هناك مبدأ "الفلترة إلى أسفل Filtering Down” فقد زعموا (الإنكليز.م) أن الضروري من التعليم هو فقط تعليم نخبة صغيرة جدا و عبر هذه النخبة "تتفلتر"المعرفة بطريقة ما إلى أسفل، إلى الجماهير. أما في السنوات الأخيرة من الاستعمار و في بعض مدارس البعثات حين أصبحت المدارس الابتدائية تحمل أكثر على محمل الجد هيمن طبعا المضمون الأوروبي، لقد نظر إلى تعليم أبناء الشعوب الأصلية فقط كوسيلة لتمكينهم من العمل في التجارة و الإدارة المهيمن عليهما أوروبيا، و كان علم الحساب هو المهم بتطبيقاته.

    بالنسبة لمقالنا يهمنا أكثر التعليم الذي نالته الأقلية الضئيلة جدا التي حازت على فرصة الدراسة الثانوية.في الهند و أفريقيا أنشئت المدارس و الكلّيات التي عكست في مناهجها التعليمية نظائرها في "الوطن" (أي في المتروبول الاستعماري.م) و الفرق بين معاهد الفرنسيين و معاهد الإنجليز كان ببساطة يعكس الفرق بين فلسفتي التعليم في فرنسا و بريطانيا.

    مناهج الرياضيات في بعض المدارس كانت مضحكة و تافهة. إم ماري Mmari يستشهد ببعض المسائل النموذجية في الكتب المدرسية في تنزانيا المستعمرة (و التي أوصي بها من قبل مسؤولي التعليم الاستعماريين الإنجليز): إذا سجل لاعب الكريكيت r runs عندما يكون هناك x innings في n مرة not out فإن معدّله Everage يكون Runs r/x-n أوجد معدله إذا كان سجل 240 runs عندما كان هناك 15 innings و 3 مرات not out (هذه كلها مصطلحات من هذه اللعبة لا تهمنا و لا تهم القارئ كما كانت لا تهم الطالب التنزاني المسكين.م).

    مسألة ثانية: حوّل 207.048 Fathing، 89.761 نصف Bence، 5.708 Shillings إلى جنيهات استرلينية (أنواع من العملة الإنجليزية. م)

    مسألة ثالثة: طول الشريط المتحرك في محطة مترو "هول بون" 156 قدما و هو يصل إلى أسفل في 65 ثانية أوجد السرعة بالميل في الساعة.

    و أسوأ ما في الأمر أن منهاج الرياضيات كان مجردا لا علاقة له بالبلد المعني انتقائيا و نخبويا (و لقد كان كذلك في أوروبا أيضا) و كانت تسيره أنظمة من نوع "شهادة كامبردج عبر البحار" Cambridge Oversees Certificate و كانت مشحونة ثقافيا إلى أبعد درجة، لقد كان هذا جزءا من استراتيجية للتثاقف مقصودة عالمية الطابع تجهد لإدخال "أفضل ما في الغرب" و مقتنعة بفوقيتها على أية ثقافة محلية أو أنظمة رياضيات وطنية.

    و لما كان هذا هو بصورة أساسية إعدادا للتعليم الجامعي، فقد كان طموح الطلاب هو الدراسة في الجامعات الغربية. و كانوا يدرسون بعيدا عن ثقافتهم و مجتمعهم. مثلا في استشهاد نقله واطسن Watson عن ويلكنسون Wilknson ينقد فيه النظام التعليمي في "المالايا" مطلع هذا القرن قائلا "ليس من الحكمة أن نجعل الناس مغرمين بالشكوى للحاكم و أن نخلق عندهم كراهية العمل اليدوي و التقني و أن نصنع طبقة من طلاب الفروع الأدبية متذمرين عديمي النفع لمجتمعهم و يشكلون مصدر مشاكل للإمبراطورية.

    و الرياضيات و العلوم هما من المواد الدراسية التي يمكن لها حقيقة أن ترتبط بالثقافة والبيئة المحلية و أن تخدم حاجات المجتمع المحلي و لكنهما ببساطة لم ينظر إليهما من هذا المنظور على الرغم من أن نوايا المدرسين كانت طيبة في كثير من الحالات فقد نظر إليهما حصرا على أنهما عمودان من أعمدة الثقافة الغربية يشكلان جزءا ضروريا من تعليم الشخص المثقف في القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين.

    و يغدو من الواضح أنه من خلال الوسطاء الثلاثة التجارة و الإدارة و التعليم فرضت أبنية و رموز الرياضيات الغربية على الثقافات المحلية وفق تقدير لأهميتها يماثل تقديرهم لأهمية البنى و الترميزات اللسانية بالإنكليزية و الفرنسية و الهولندية أو أية لغة أوروبية كانت هي لغة السلطة الاستعمارية الحاكمة في البلد.
    و على كل حال و أيضا بالتماثل مع اللغة كان الترميز الخاص المستعمل هنا هو بطريقة ما الناحية الأقل أهمية في الرياضيات و أهم منها بكثير من منظور الناحية الثقافية كانت القيم التي حملتها الترميزات معها على أن الأفكار الشائعة كانت ترى أن الرياضيات محايدة قيميا.

    و كيف يمكن أن تكون حاملة للقيم إذا كانت كونية الطابع لا علاقة لها بالثقافة؟
    معرفتنا الآن بهذا المجال أصبحت أفضل و لو حلّلنا أدبيات الدراسات التاريخية و الأنثربولوجية و دراسات العلاقات بين الثقافات المختلفة لوجدنا الاستنتاج التالي: ثمة أربع ضفائر من القيم مرتبطة بالرياضيات الأوروبية الغربية و لا بد أنها كان لها تأثير هائل على الثقافات المحلية:

    أولا:ثمة مجال العقلانية الذي يتوضع في قلب الرياضيات الغربية بالذات، و لو شاء المرء أن يختار قيمة واحدة كفلت للرياضيات القوّة و النفوذ ضمن الثقافة الغربية فستكون هذه القيمة هي العقلانية. و كما يقول كلاين Kline :"الرياضيات في جانبها الأوسع هي روح، روح العقلانية، و هذه الروح هي التي تتحدى و تحث و تعزز و تقود عقول البشر إلى أن تمارس ذواتها حتى الامتلاء" و بتركزها على المحاكمة الاستنتاجية و على المنطق تحتقر المحاكمة المجردة و ممارسات الخطأ و الحكمة التقليدية و السحر. و تأملوا في ما ذكره غاي Gay و كول Cole في ليبيريا:

    "ثمة طالب من كلية كبل Kpelle College تقبل جميع القضايا التالية:
    1-إن الكتاب المقدس صحيح حرفيا و بالتالي فجميع الأشياء الحية خلقت في ستة الأيام الموصوفة في سفر التكوين.
    2-الكتاب المقدس هو كتاب مثل غيره من الكتب مكتوب بأيدي أناس بدائيين إلى حد ما في زمن طويل و يحتوي تناقضات و أخطاء.
    3-كل الأشياء الحية ارتقت بالتدريج خلال ملايين السنين من المادة الأولية.
    4-ثمة شجرة "روح" في القرية المجاورة كانت قد قطعت عادت و نمت حتى بلغت حجمها الكامل مرة أخرى في يوم واحد.

    لقد تعلم هذه القضايا من القس الأصولي و من الفصل الدراسي عن الكتاب المقدّس و من الفصل الدراسي في علم الحيوان و من الثقافة الإحيائية القائمة. تقبل جميع هذه القضايا لأنها فرضت من سلطات كان مقتنعا أنه يجب أن يحترمها".

    من الممكن أن يفهم المرء عدم ارتياح غاي و كول لهذا الكشف و لكن من الممكن أن نفهم أيضا كم كان مثيرا للبلبلة عند الطالب أن يتعلم أن أي شيء "غير عقلاني" بالمعنى الغربي للكلمة ليس جديرا بالثقة.

    ثانيا: إن المجموعة المتكاملة من القيم المرتبطة بالرياضيات الغربية يمكن تعريفها بأنها تشييئية أو أنها طريقة لإدراك العالم بصفته مؤلفا من أشياء منفصلة قابلة للإزالة و مجردة من سياقها، كما يمكن القول.

    إزالة السياق بهدف التعميم هي من جوهر الرياضيات و العلوم الغربية و لكن إذا كانت ثقافتك تشجعك على الاعتقاد بدلا من ذلك أن كل شيء يوجد في علاقة مع كل شيء فعندها ستجد أن عزل الشيء عن سياقه لا معنى له. و في الحضارة الإغريقية المبكرة ثار جدل حاد حول الجوهر الأساسي للوجود: أهو "الموضوع" أم "الصيرورة" و في القرن السادس قبل الميلاد كان هيرقليط يرى أن السمة الأساسية للأشياء أنها في تغير و حركة مستمرين أما ديمقريط و الفيثاغوريون ففضلوا رؤية العالم على شكل "ذرات" و هذه النظرة هي التي سادت و تطورت في الرياضيات و العلوم الغربية. هورتون Horton يرى التشييئية من منظور آخر فهو يقارن هذه النظرة مع ما يراه استعمالا أفريقيا مفضلا للتعابير الشخصية الشارحة و يحاجج بأن هذا قد طوّر عند الأفريقي التقليدي المفهوم القائل أن "العالم" الاجتماعي و الشخصي قابل للمعرفة على حين أن عالم "الأشياء" و العالم غير الشخصي هما جوهريا غير قابلين للمعرفة.

    الميل المضاد ينسب للغربي و محاججة هورتون تمضي على الشكل التالي:
    "في المجتمع الصناعي المعقد المتغير بسرعة تغيب عن المشهد الإنساني الجريانية و النظام و البساطة و القابلية للتنبؤ و هذه الخصائص موجودة فقط في عالم الأشياء غير الحية وهذا ما يجعل الناس يحسون بالغربة مع بعضهم أكثر مما يحسون بها مع الأشياء و هذا كما أفترض هو السبب الذي يجعل العقل يأخذ تشبيهاته الإيضاحية من العالم غير الحي.

    في مجتمعات أفريقيا التقليدية نجد الوضع معكوسا. إن عالم المباشر هو المكان النموذجي للنظام و قابلية التنبّؤ. أما في عالم الأشياء غير الحية (و يعني هذا المصطلح ما هو طبيعي أكثر مما يعني ما هو صنع الإنسان) فتكون هذه الخاصية أقل وضوحا بكثير، و أن يكون المرء يحس بالألفة مع الأشياء أكثر مما يحس بها مع البشر هو هنا شيء لا يمكن تصورّه و حين يبحث العقل هنا عن تشبيهات إيضاحية فإنه يميل بصورة طبيعية إلى أن يجدها عند البشر و علاقاتهم مع بعضهم".

    من هنا نستطيع أن نرى أنه مع كل من العقلانية و التشييئية كقيم جوهرية تقدم الرياضيات الغربية رؤية للعالم أيديولوجية تشييئية منزوعة الإنسانية ستظهر بالضرورة عبر تعليم الرياضيات للمجتمعات التقليدية المستعمرة.
    و المجموعة الثالثة من القيم تخص جانب التحكم و السلطة في الرياضيات الغربية.

    إن الأفكار الرياضية تستعمل إما كتقنيات و مفاهيم قابلة للتطبيق و هذا هو استعمالها المباشر و إما هي تستعمل بصورة غير مباشرة من خلال العلوم و التكنولوجيا كطرق للتحكم بالبيئة الاجتماعية و الطبيعة و كما يقول شاف Schaaf عن تاريخ الرياضيات: "لقد كانت السمة النوعية للقرنين التاسع عشر و العشرين هي السيادة المتزايدة للإنسان على بيئته الطبيعية" و هكذا فباستعمال الأرقام و القياسات في التجارة و الصناعة و الإدارة و المبادلات تأكدت قيم التحكم و السلطة في الرياضيات. لقد كانت و لم تزل معرفة مفيدة بوضوح هائل، معرفة ذات طاقة هائلة تغوي غالبية الناس المحتكين بها.

    و على كل حال فإن مجموعة متكاملة من القيم تهتم بالتقدم و التغير نمت و تطوّرت أيضا لكسب مزيد من السيطرة على بيئة الإنسان. إن إدراك قيم السيطرة بالارتباط بالتحليل العقلاني للمشاكل يغذي قيمة التقدم العقلاني المكمّلة و من هنا نهتم بالسؤال و الشك و البحث عن بديل.

    و هورتون ثانية يشير إلى هذه القيمة حين يقارن الأفكار العلمية الغربية بالقيم الأفريقية التقليدية:
    "في الثقافات التقليدية لا يوجد إدراك متطوّر لبدائل الجسم القائم من التصوّرات النظرية على حين أنه في الثقافات المتوجهة علميا يكون هذا الإدراك متطوّرا إلى أعلى درجة" و يمكن أن يكون هذا الاستنتاج صحيحا و يمكن أن لا يكون على أنه ما من شك في تأثير التعليم النخبوي المثير للبلبلة ذلك التعليم المبشر "بالتحكم" و "التقدم" في المجتمعات التقليدية و لا نتصور أن هذه القيم هي التي كانت مطلوبة عند السكان الأصليين في الأقطار المعنية.

    و بالتأكيد، و حتى لو كان التقدم منشودا عند السكان الأصليين و هو أمر ليس بديهيا بالضرورة فإن ما كان معروضا هو نسخة من التقدم متمحورة حول الإنتاج و الصناعة و الغربنة، و هو ما يعزز فقط الهوّة بين الامبرياليين الأوروبيين الغربيين العدوانيين الديناميكيين المتقدمين و "الناس المستعمرين"، الذين لم يتركوا ديانتهم، الساكنين التقليديين، و التقدم الذي شجعته الرياضيات في التكنولوجيا و العلوم كان بوضوح واحدا من الأسباب التي جعلت القوى الاستعمارية تتقدم إلى هذا القدر و هذا ما جعل من الرياضيات أداة مهمة في "شنطة العدّة" الثقافية للامبرياليين.

    إذا ترتقي هذه القيم إلى مستوى تشكل فيه قوة ثقافية تكنو-رياضية هي ما قدّمته بوجه عام القوى الإمبريالية. الرياضيات بعقلانيتها الواضحة و منطقها البارد و دقتها و حقائقها المعتبرة "موضوعية" و التي تبدو بعيدة عن التأثيرات الثقافية و القيمية و عدم وجود الضعف البشري فيها و قدرتها على التنبّؤ و التحكم و حثها على التحدي و التساؤل و اندفاعها في طريق معرفة أكثر موثوقية كانت السلاح الأقوى حين ارتبطت بالتكنولوجيا و التطور الصناعي و التجاري عبر تطبيقاتها العلمية و حين ارتبطت أكثر بالمنتجات التجارية الملموسة. لقد بلغت وضعا ينظر إليها فيه أنها فوق الجدال.

    و منذ تلك الأزمنة الاستعمارية حتى الآن نمت سلطة هذه الثقافة التكنو-رياضية بسرعة إلى درجة أن الرياضيات الغربية صارت تدرس الآن في كل بلدان العالم.

    و هي تدرّس، مرة أخرى، بالترافق مع المصادرات حولها التي تقول إنها عالمية الطابع و محايدة ثقافيا. و منذ الاستعمار حتى الاستعمار الجديد ما زال يتوجب علينا فهم الامبريالية الثقافية للرياضيات الغربية، و ثمة سعي متزايد لفهم أكبر لتأثيرها و لكن علينا أن نعجب لخروج هذا التأثير الآن عن التحكم.

    -كما أن إدراك الطبيعة الثقافية للرياضيات الغربية و تأثيرها ينتشر و ينمو فكذلك تمكن رؤية مستويات مختلفة من ردود الأفعال. في المستوى الأوّل ثمة اهتمام متزايد بالرياضيات الإثنية عبر دراسة الأدب و البحث الإنثربولوجي في الأوضاع الحياتية الواقعية. و بينما نتعرف الآن على حقيقة أن كثيرا من الأفكار المهمة لم تكن تبدو كذلك عند الأجيال السابقة من الأنثربولوجيين فإن ثمة قدرا كبيرا من المعلومات لم يزل يتوجب استخلاصه من الأدبيات الموجودة.

    و هذا النوع من تحليل الأدبيات مدعوم بالطبع بالإنشاءات النظرية التي تساعدنا على رؤية مفهومية لما يمكن أن تكون عليه الرياضيات كظاهرة متضافرة مع الثقافة. لقد تكرر القول أن الرياضيات ناتج ثقافي-تقنية رمزية تطوّرت عبر ممارسة نشاطات بيئية متنوعة و يمكن أن نشخص ستا من الفعاليات الكونية أرى أنه ما من مجموعة ثقافية معروفة لم تقم بها بطريقة ما و هي:-

    -العد: استعمال طريقة منظمة لمقارنة و تنظيم الأشياء المنفصلة، يمكن لهذه الطريقة أن تكون عدّا باستعمال الجسد أو الأصابع أو باستعمال أشياء أو خيوط للتسجيل أو أسماء خاصة للأرقام. و العد يمكن أيضا أن يجري عن طريق الأرقام أو عن طريق خصائص سحرية أو تنبؤية مرتبطة ببعض هذه الأرقام.

    -الموضعة (تحديد الموضع.م) اكتشاف البيئة المكانية المحيطة و ترميز و مفهمة تلك البيئة بالنماذج و الخرائط و الرسوم و أدوات أخرى، و هذا هو مجال الهندسة حيث التوجه و الملاحة و الفلك و الجغرافية تلعب دورا قويا.

    -القياس:تحديد كمية خصائص مثل الطول و الوزن بغرض مقارنة و ترتيب الأشياء. و القياس عادة يستعمل في الأشياء التي لا تعد مثل الماء و الرز و لكن النقود هي أيضا وحدة لقياس القيمة الاقتصادية.

    -التصميم: صنع شكل أو تمثيل لشيء أو لأي جزء من البيئة المكانية، و يمكن أن يتضمن ذلك صناعة قالب للشيء قابل للنسخ أو رسمه بطريقة متعارف عليها.
    و الشيء يمكن أن يصمم لاستعمالات روحية أو تقنية. و "الشكل" هو مفهوم هندسي أساسي.

    -اللعب: التخطيط و الانخراط في ألعاب و تسليات بقواعد محدّدة يجب على اللاعبين أن يطيعوها و الألعاب "تنمذج" الجانب المهم في الواقع الاجتماعي و تحتوي غالبا على محاكمة مستندة إلى مسلمات.

    -الشرح: إيجاد طرق لتمثيل العلاقة بين الأشياء و بصورة خاصة استكشاف "نماذج" للعدد و الموضعة و القياس و التصميم مما يخلق "عالما داخليا" للعلاقة الرياضية التي تنمذج و بالتالي تشرح العالم الخارجي الحقيقي.

    لدينا الآن أدلة موثقة من ثقافات مختلفة كثيرة تؤكد وجود كل هذه الفعاليات، مما يمكننا من إجراء أبحاث أكثر تفصيلا. إن الرياضيات الإثنية هي على أية حال لم تصبح مصطلحا محددا بعد بشكل جيد، و في الحقيقة إذا نظرنا إلى الأفكار و المعطيات التي هي لدينا فقد يكون من الأفضل أن لا نستعمل ذلك المصطلح بل نبقى أكثر دقة فنذكر أي رياضيات تلك التي نتكلم عنها و أكثر من ذلك فإن البحث يجب أن يتمحور أيضا على الجانب القيمي، و حين ننظر إلى مشكلات و قضايا الصراع الثقافي في ميدان التعليم من السهل أن نبقى في مستوى الترميزات و اللغة على حين أن البحث في الفروق بين القيم الثقافية التي قد تكون موجودة هو من المنظور التعليمي أكثر أهمية بكثير و هي تحتاج إلى اهتمام أكثر في الأبحاث المستقبلة.

    و في المستوى الثاني ثمة ردة فعل في كثير من البلدان النامية و المستعمرات السابقة تستهدف خلق وعي بالثقافة الخاصة. إن إعادة الولادة الثقافية أو عودة اليقظة هي هدف معترف به في العملية التعليمية في الكثير من البلدان.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 3:22 pm